2007-06-12

نحتاج الحريّة لا الديمقراطيّة

الديمقراطيّة ما هي إلاّ وسيلة لتنظيم الحياة السياسيّة في مجتمع حر لتحقيق الحريّة

و الوسيلة ليست الغاية بل ولا يجب بأيّة حال من الأحوال أن تكون الغاية. و يخطئ كثيرون في دولنا التي ورثت القهر و الإستبداد منذ قرون عديدة أبا عن جد و على كلّ المستويات، يخطئ في أعتبار الحريّة غاية و يعرّفها بأنّها حكم الشعب أوأنّها الإنتخابات و لو كانت نزيهة و خضوع الأقليّة لحكم الأغلبيّة. إن إستعمال كلمة خضوع في حد ذاته مرض يمكن فهمه بسهولة ، ذلك أن من تربّى على تقديس كلّ شيئ بدأ من الله و مرورا بالملك أو الرئيس و إنتهاءا بالأب في نظام أبوي باطرياركي لا يمكنه أن ينظر للإمور إلاّ من وجهة نظر غالب و مغلوب ، حاكم و محكوم، أمير و رعيّة.

الديمقراطيّة ليست دكتاتوريّة الأغلبيّة ، و لا حكما مطلقا لأي كان ليفعل ما يشائ حتى و لو بلغت نسبة التصويت له مائة بالمائة و صوّت الشعب له بالدم صارخا نفديك بالروح و الدم، فلا يحق في مجتمع ديمقراطي حقيقي الإنتقاص قيد أنملة من حق أية أقليّة , أو أيّ شخص مهما كان ، فللجميع أصوات متساوية ، و التداول على الحكم يتم عن طريق إنتخابات حرّة و نزيهة و شفّافة لتحقيق برامج و وعود إنتخابية و لكن لا يمكن أن تكون تلك البرامج إعتداءا على حقوق أحد من مواطني الدولة مهما بلغت درجة إختلافه، فالمواطنة أيضا ركيزة من ركائز الديمقراطية و تكريسها شرط ضروري و غير كاف لتحقيقها

الحريّة هي الغاية ، و الديمقراطيّة ما هي إلا أقل الأنظمة سوءا لتحقيقها ليس إلاّ ، و أعتبارها غاية في حد ذاتها و تعريفها ذلك التعريف البدائي بترجمة كلماتها الإغريقية بأنها حكم الشعب أو إستغلال آليّاتها كالإنتخابات لتركيز نظم مستبدّة أو ثيوقراطية لتحقيق الطموحات القوميّة أو الدّينيّة أو العنصريّة لأي شعب كان ، هو إفراغ لها من كلّ قيمة جوهرية بل تحقيق لعكس ما جعلت لأجله. فلا أحد يجب أن ينسى أنّ هتلر و النازيين وصلوا بانتخابات ديمقراطية للحكم أو ما يحدث في جمهوري إيراني حيث يحلوا لكثيرين و بسذاجة مفرطة الإدّعاء ان إيران ديمقراطية في حين أن الملالي هم من يعيّن و من يسمح بترشّح و من يرفض من يترشّح ، و لا يجب أن نغفل أن أنظمة التربية في بلادنا عامة لا تدّخر جهدا في تربية النشئ على ثقافة الكره و رفض الآخر و التعبويّة الشعبويّة ممّا يجعل من السهل التأثير على الجموع بأيّة شعارات متخلّفة لكسب الإنتخابات وسط فشل ذريع للنخب الحاكمة في دول ما بعد الإستقلال في إقامة دول حقيقية لا تدار بمنطق المزارع و العزب بعيدا عن الفساد و المحسوبية و تحقيق أدنى نسبة من النمو و الرفاه الإقتصادي كما هو حال دول كثيرة نالت إستقلالها بعدنا و تجاوزتنا بمراحل على صعيد التنمية و التقدّم

يوجد إختراع جميل جدّا، شيئ ما جدير بالدراسة و التمعّن و أزعم أنه جدير بالتقديس لو لزم تقديس الشيئ للإيمان به و العمل على تحقيقه إسمه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذا الإعلان هو ثمرة و خلاصة ما وصلته كلّ الإنسانية من قيم تقدمية كالعدالة و الأخوّة و المساوات ، و هذا الإعلان هو العدو اللدود لكثيرين في بلاد الملح و الرمال حيث الخرافة تعلوا و لا يعلى عليها. و أزعم أن البداية تكون بقرائته و فهم ما فيه و أعتماده على المستوى الشخصى فالعائلي ، فلازلت أؤمن أنّ بناء الفرد يأتي قبل بناء الدولة و أن الحريّة تمارس في البيت بين أفراد العائلة قبل أن نطالب بها خياليا في مجتمعات لازالت تقدّس الزعيم و تألّهه ولازالت أعجز من القبول بقراءة نقديّة لمعتقداتها و تقالديها و هويّتها التي جعلتها وثنا ، غاية في حد ذاتها و ليست وسيلة.

لا يمكننا الحديث عن إصلاح و ديمقراطيّة لتحقيق حرية و عدالة و مساوات و تنمية و ثمة عدد لا يستهان به لازال يفخر أن برنامجه و ما يعمل لأجله هو الحفاظ على الهويّة و أن له الفظل في جعل اللغة العربيّة لغة الإجتماعات العامّة في الجامعة ، أي أنه ليس يهم ما ستقوله بل المهم أنك تقوله بالعربيّة،أيّ غباء سياسي هذا ، و أي عبط يخلّفه هذا التفكير الديني حين يكون برنامجنا السياسي و نحن في سنة 2007 هو ما هو معلوم من الدين بالضرورة مع العلم أنه ليس في الإسلام شيئ إسمه معلوم من الدين بالضرورة ، و اي حديث عن ديمقراطية مع من يؤمن إيمانا راسخا أن الرسول وعدنا بفتح روما و بيوم يوشي الحجر باليهودي المختبئ ورائه ؟ فكيف ستتكلم عن حقوق أقليات و هي موحدة و أهل كتاب مع هؤلاء ؟ و كيف تتخيّل مصير من شك أصلا في صحّة هذه الكتب السماوية و انتقدها ؟ يكفي أن تذكر بأن رئيسه مدى الحياة حامل مفاتيح الجنة الذي تخيل للحظة أنه بترحّمه على روح بورقيبة سيشفع الله لهذ الأخير ، زعيمهم هذا وعد بنصب المشانق في ساحة الباساج في العاصمة للعفيف الأخضر و رجاء بن سلامة

بين مطرقة هذا الإتجاه الإسلامي ، و للعلم هو إتجاه من لا فكر له ، مجموعة اليساريين السابقين الفاشلين الذين استمالتهم أموال الوهّابية العفنة و بقية باقية من الكتاتيب المتخلّفة التّي لم تتميّز إلا بثقافة الكره و الحقد و رفض الدولة الحديثة ، بين مطرقة هؤلاء و سنديان الحزب الواحد الأوحد الحاكم بأمره الغارق في كلّ مساوئ الأنظمة الإستبدادية، و هنا لا يلقى بالمسؤوليّة فقط على عاتقه بل اساسا على عاتق المعارضة الغائبة المتباكية أو المصفّقة كالأراجوزات ، بينهما يكون الحديث عن حاجتنا للديمقراطية ضربا من الترفيه عن النفس أو تجنبا للّوم، ليس إلاّ ، وسط اختلاط مفاهيم و عدم تحديد واضح للغايات و الوسال لتحقيقها.

قبل الحديث عن الديمقراطيّة لا بأس من الحديث عن الحريّة، حريّة المعتقد و التفكير و التعبير، حتى لا يقفز لك أمام كلّ حرف تكتبه من يصرخ بجهل حريّتك تقف عند حريّة الآخرين و أنا من يحدد حريّة الآخرين، حتى لا تتّهم كلّما دافعت عن أقليّة ما بأنك منهم أو تقبض منهم ، حتّى لا تتهّم في شخصك و كرامتك و إنسانيّتك كلّما كتبت عن المرأة أو عن العقل أو المثلّيين جنسيّا ، لأنه متى فهم الناس أنك بدفاعك عن الجانب الأضعف في المجتمع ، الأكثر عرضة للتهديد و التعسف و التصفية إنما تدافع عن المجتمع كلّه و عن الأغلبيّة نفسها ، لا بأس من كلام عنها و لو أنه يبدوا تمييعا للقضيّة من وجهة نظر البعض ، فنحن أساسا لم نتّفق على تعريف لهذه االقضيّة، و لكن الحوار جعل لتحديد مفاهيم و وسائل لتحقيقها، لذلك أكرّر ، و هذا رأي شخصي ، نحتاج تغييرا في الأفكار، إيمانا بالحريّة ، بحقوق الإنسان بمفهومها الكوني و من ثمة يمكننا أن نتفق على المنادات بالديمقراطية كوسيلة لتحقيقها و ليس كنسخة حديثة من براقش

ملحوظة

قالت العرب جنت على قومها براقش و براقش كلبة كانت تنبح ليلا و قبيلتها مختبئة من الغزاة فدلّتهم عليهم فقتل من قتل و أسر من أسر

في حين أنّ دور الكلب أساسا هو الحراسة و الحماية

4 تعليقات:

في 5:29 م , Blogger Téméraire يقول...

Je me joitn complétement à toi. La liberté est beaucoup plus nécéssaire que la démocratie.
Avec la liberté, la Démocratie finira par nous envahr toute seule.

Sans pour autant en parler tu connais nos points de divergences, seulement je me permets un reproche c'est celui de toujours considérer la Religion comme étant la cause de tous les maux.
بل المهم أنك تقوله بالعربيّة،أيّ غباء سياسي هذا ، و أي عبط يخلّفه هذا التفكير الديني
Ainsi Mzali qui est à l'origine d'une politique d'arabisation compléte de l'enseignement, Chadli Ayari, partisans de arabisants et enfin Mohamed Charfi tous les trois ministres de l'enseignement ont été des farouches combattant contre les islamistes toutte en ayany aucune fibre religieuse mais PLUTÔT LAIQUE.

Est-ce donc la laicité qui nous a mené au gouffre de l'arabisation ??? (bien sûr je rigole)

 
في 6:29 م , Blogger عماد حبيب يقول...

@téméraire

شكرا أوّلا لردّك و طبعا أحترم اختلافك معي في تقييم تأثير الفكر الديني و إن كنت لا أحمله وحده كل المساوئ

في الواقع أنه حتى الطبيعة بقسوتها علينا و حتى الصحراء برمالها تلعب ضدنا


بالنسبة للعربية ـ أنا أفصل بين اللغة و الدين و أرفض ربط اللغة العربية بالإسلام مثلا ـ إنما ضربت مثلا معينا لإعتبار الهوية غاية في حد ذاتها


أنا شخصيا من الجيل الذي جرب فيه مزالي التعريب ، و حين وصلنا للثانوي انقلب كل شيئ للفرنسية ، و كان لذلك تأثير كبير علبنا

شخصيا أنا مع اعتماد الللغة الانقليزية كلغة ثانية أو حتى أولى رغم أني أحمل الجنسية الفرنسية ، لأسباب عملية معروفة للجميع ـ لا أتعصب لا للعربية و لا للفرنسية ـ المهم الفكرة

 
في 12:44 ص , Blogger Big Trap Boy يقول...

صحيح أن الحرية أهم على المستوى الفكري على الأقل من الديموقراطية التي تبقى آلية لاختيار الحاكم، ولكن من الناحية العملية أضن أن الحاجة موجودة للإثنين: الحرية والديموقراطية، لأن الثانية هي من أحسن الضمانات لإستمرار الأولى، بنفس الدرجة التي تكون فيها الحرية شرطا أساسيا للحديث عن ديموقراطية حقيقية

 
في 8:40 ص , Blogger عماد حبيب يقول...

@trapboy

الأخ القائد

:))

نحن إذا متفقين أن الديمقراطية وسيلة قبل كل شيئ و تصبح غاية في حد ذاتها لتحقيق الحرية و الحفاظ عليها و التي تبقى الغاية الأسمى

ربما لا توجد وسيلة أخرى لتحقيق الحرية أو أفضل منها ، لكني ضد أن نعتبر قيام اتخابات و حكم الأغلبية في دولة مستبدة تقمع أقلياتها ديمقراطية

تحياتي


خارج النص

شطر البحيرة الأخرى شراتها الامارات ، اما بما أنه في الامارات ثمة معارض خمور و نص مليون سائحة روسية تخدم على روحها ، نتوقع كان نحبوا نشربو كعبتين أنا وياك في قهوة غادي ما يقولولناش شرط العازب عالهجالة

:))

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية