2007-09-11

إسلاميّو تونس و سرطان الدّم

ما الّذي يحوّل مجموعة من البشر إلى قطيع من الّدواب تتوحّش أحيانا و فقط لتنهش لحم أحدها و لا تثور لمن يركب ظهرها و يحلب خيراتها ؟

هل تكفي خليّة مسرطنة واحدة لسقوط جسم كامل الحيويّة أو في طور النموّ رغم علامات صحّته الخارجيّة ؟

عدت من رحلتي لأرض الوطن الأم كما يسمّونه بتساؤلات و إنطباعات في غرابة واقعه. كنت دائما أتساء هل إقامتي بفرنسا و بمرور الوقت هي التي تغيّر من طبعي و نظرتي للأمور أم فعلا يزداد التونسيون عموما عدوانيّة و ميلا للخرافة والهمجيّة و التطرّف يمينا أو يسارا ؟

كقومي عربي سابق ربّما كان يجب أن أسعد بالمليون ليبي و قرابة المليونين جزائري الذي تركوا بلدانهم و شواطئهم و جاؤوا لقضاء العطلة بتونس، و بالعلاقات العائلية و الصداقات التي بدأت تنشأ رغم تصرفات بعضهم أو تهورهم الذي كان سببا في وفاة جاري بحادث مرور قرب المهدية تسبب فيه ليبي و هرب، فالوحدة العربيّة أو المغاربية و التي قيل أنها لن تكون إلا وحدة شعوب بدأت ترى النور من حيث لا ينتظر أحد، ببرامج من نوع ستار أكاديمي أو نشاط إقتصادي يعتمد على السياحة العربيّة. لكن إلى متى ستبقى تونس مقصدا لهم و مهربا من بلادهم و قطعة حقيقيّة من أوروربا يلوذ بظلّها ضحايا بلدان الرمل و التخلّف و الإرهاب ؟

باعتقادي أن الأمر قد يكون فقط مسألة سنين، فمناعة جسم تونس قد لا تقوى على الهجوم الضاري الذي تستعمل فيه أقوى الأسلحة، من قناة الجزيرة إلى عشراة القنوات السلفيّة مرورا بصحافة محليّة صفراء تمجّد الإرهاب و لازالت لليوم تتباكى على دكتاتوريّة صدّام، بل أنّ أحزاب معارضة تزعم أنّها ديمقراطية تلعب نفس اللّعبة و تكاد تألّه صدّام فقط لتقول أنّها تعادي أمريكا. و قبل و بعد هذا تواطئ من تبقّى من سرطان دم الجسم التونسي، الإسلاميّون، و خطر انتكاسة الجسد و السقوط مرّة أخرى في المرض.

عموما يكاد يجمع الكل أن الغرب عموما و أمريكا خصوصا هي سبب البلاء و الشر و المصائب و الحالة الإقتصاديّة التي هم عليها. عداء لم يكن يوما منذ سنين عشرة من سمات أغلب من أعرفهم، و كره لم يكن يوما قد تفشّى كسرطان يعمي الناس عن حقيقة مصدر مشاكلهم و عن البحث عن حل غيبي و بعيد بدل البحث عن حل لواقعهم. الأخطر هو بداية انتشار التفكير الديني عموما و السلفي خصوصا حتّى في أوساط المتعلّمين.

أعراض المرض يمكن مشاهدتها بسهولة في المكتبات مهما كان حجمها و في الفضاءات التجاريّة الكبرى، حيث تقريبا لا كتب تعرض و تباع إلاّ الكتب الدّينيّة، بحثت عن عنوان واحد فيها لمحمّد عبده أو جمال الدين الأفغاني كي لا أقول جمال البنّاء أو فرج فوردة فلم أجد طبعا. لا تسأل عن أي كتاب علمي. و الكتب الأدبيّة هي هي التي أعرفها منذ طفولتي و لا جديد يذكر. من يقرأ بالعربيّة في تونس اليوم لا يقرأ إلا كتبا دينية سلفيّة في أغلبها.
الأعراض تبدوا في ميل جيل من المتعلّمين لتصديق الخرافة و عيادة العرّافين و العرّافات و المداوين بالقرآن. أعرف منهم شخصيّا أساتذة تعليم ثانوي في مواد علميّة. بل أعرف أستاذة فلسفة و ما أدراك ما الفلسفة، كانت سببا في إقناع طفلة في الثالثة عشر من عمرها بقبول خطوبة رجل في مثل سنّي، أكبر منها ب25 سنة، و لا خير لا فيه و لا فيها و لا في والدها و هو قريبي و لكن لا عذر له رغم بساطته و أميّته. عبثا حاولنا أقناعه و لكن لا فائدة.

لازالت شواطئ تونس كما عهدتها أو تكاد، لازالت السّائحات يسبحن أحيانا عاريات الصدر دون أن يتسبب ذلك في سعار جنسي أو تحرّش، و قليلات هنّ اللّواتي يسبحن بلباسهن كاملا، و أغلبهن من غير التونسيات، من الجزائريات غالبا. لكن عدد المحجّبات لازال بنفس نسبته أو أقل قليلا، حوالي 20 بالمائة، أغلبهن لا يمنعها حجابها من السير يدا بيد مع صديقها أو ارتياد النزل و الجلوس على مائدة فيها قوارير جعة، إنّه أقرب لزي موضة منه لحجاب و لكن إلى متى سيستمر الأمر هكذا ؟

إلى يوم يقوم فيه بعض الصبية بمل عصي و النزول للشوارع للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما يحدث في باكستان مثلا أو كما حاول إسلاميّوا تونس فعله قديما بإطلاق إشاعة الشلاّط أو الذي يعتدي على كل من تلبس جينسا أو جيبا قصيرا. الأمرفقط حسب رأيي مسألة وقت. لكن المهم هو رد فعل عشرات الآلاف من الشباب الذين رأيتهم في ليل سوسة و نواديها الليليّة و كأنهم تونس أخرى، ردّ فعل هؤلاء و ليس النظام هو الذي سيحدّد المستقبل. في النهاية قد يميل النظام للمهادنة و ستسبح معه الصحافة في نفس التيّار و نفس الذين كتبوا ضد الحجاب سيكتبون معه، لكن الذي نشؤوا و عاشوا و يعيشون في شيئ من الحريّة ربّما لم تتح حتّى لجيلي أنا، و طبعا لا أتكلّم عن الحريّة السياسيّة بل الإجتماعيّة و الثقافيّة، هؤلاء هم الذين يجب أن يتحركوا حتى لا يأتي يوم يجلدون فيه في الشوارع لأنهم تأخروا في إقامة الصّلاة. أو تحفر الحفر و ترجم من فيهن أنجبت خارج إطار الزواج

لمذا يوشك الجسد أن ينتكس و يسقط في براثن المرض ؟

ليس فقط للأسباب الخارجيّة التي ذكرتها، الأسباب الدّاخلية أكثر و أهم. ثمّة مناخ فوضى و نهاية ملك و مصير غير واضح المعالم، خوف بل رعب لا يجد متنفّسا إلا في ثقافة الكره التي يبرع الإسلاميون في نشرها بكلّ السبل. ميل للفاشيّة و هي ملاذ الشعوب المستضعفة و المهزومة، أقصد الفاشيّة الإسلاميّة، قل لهم أنتم خير أمة أخرجت للناس و ليس لك إلا أن تؤمن و تتبع كلام سيدنا و مولانا فلان و ستنال الجنة و الشهادة أو النصر، قل لهم أمريكا هي السبب و اسرائيل هي السبب و بعدك عن الله هو السبب، و إياك أن تجعلهم يفكرون أو يضعون أنفسهم محل تسائل أو مراجعة، و سيتبعونك بالألوف ، فأس البلاء أعمق من حالة سياسية أو إقتصادية عابرة. إنّها ثقافة موت و قطيع ، إرهاب فكري و معنوي في انتظار الإرهاب الفعلي ،

و ليست صدفة أنّه ثمة عشرات التونسيين في الجماعات الإرهابيّة.

أعراض المرض هناك أمام أعين الجميع، هل ستكون الأنتكاسة الأخيرة و بعدها الشفاء ؟ أرجوا ذلك . هل ستكون تونس و كما قال بن كريشان آخر واحة في أرض الرمال لكنها حتما ستسقط قريبا ؟ ربّما ، يتوقّف الأمر على عوامل عدّة و أكذب لو قلت أني أملك إجابة أو حتّى تصوّرا لما قد يحدث.

1 تعليقات:

في 5:23 م , Anonymous غير معرف يقول...

Laisse la Tunisie tranquille monsieur, il ne reste plus qu'a des gens comme toi ou ton maître ben krichène qui vont nous apprendre a vivre maintenant. Excuse moi mais ça fait vraimant rigoler quand on voit des gens qui pensent qu'il ont tout compris et en plus ils se prennent pour des sauveteurs. Laisse mon pays tranquille il nous manquera plus que ça.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية