2008-03-09

قراءة في رد طارق الكحلاوي حول تعقيب أزواو بخصوص العلمانيّة





حين كتب السيد طارق الكحلاوي مقالته حول العلمانيّة قلت لصديق عزيز أن طارق قد صاغ في لغة فصحى و بعبارات أكاديمية غارقة في نخبويّتها نفس أفكار فسيفساء و غيره من الإخوانجيّة الجدد. يعني تقول له علمانية يقول لك فلسطين و العراق و تقول له حريّة يقول لك أنت تريد أن تفطر في رمضان. و من قبل و من بعد الشعب غير مهيّئ للديمقراطيّة و لا مستعد لها و من خالفه رأيه هو مجرّد شبه شيئ ما متوسّط. و ضع مكان شيئ ماء أي صفة حسب الموقف. و هو لم يفعل شبئا سوى تزويق مقالته بمسحة من الجديّة المناسباتيّة بصياغتها بالفصحى ذلك أنه لا يدوّن باالفصحى إلا نادرا للدفاع عن نفس القيم اليمينيّة و بنفس اللغة الشعبويّة المعتمدة على الدين و العاطفة.

و كان طارق وفيّا لنفسه اليوم في ردّه أو بداية ردّه. و أثبت أنه يقف يمينا، في أقصى اليمين حيث بدت على السطح فئة أسمّيها الإخوانجيّة الجدد. ما سأفعله هنا هو برهان أزعم أنه رياضي على أنه أي طارق و غيره كثيرون منها، و هي فئة مرتبطة ليس بعودة مظاهر التديّن الخارجيّة بالتوازي مع تغييرات جذريّة في القيم داخليّا فحسب بل أيضا مع ذروة الغزو الثقافي و الديني الوهابي و تسليع الدين الذي صارت تجارته تدرّ المليارات ماديّا، و المكاسب الحينيّة سياسيّا.

هؤلاء مثل زغلول النجار خلل في عقول المسلمين.

هؤلاء لا يلبسون الجبّة أو العمامة أو الجلباب الأزهري بل أحدث صيحات الموضة، و ثمّة منهم من قد لا يبدؤ كلّ حرف من كلامه بتذكيرك أنه ينطق باسم الله و لا أنّ الله هذا رحمن و رحيم بالمناسبة، و ما إلى ذلك من الصلواة على صلعم و من معه و تبعه. و قد يذهب بعضهم لحد تبنّي خطاب ليبيرالي قح في مفراداته و تركيب جمله و مهمتهم هي تحديدا مخاطبة المتلقّي الذي لم يعد يستمع للطراز القديم من الإخوانجيّة و تسريب قليل من الرمل إن أمكن أحيانا و كثيرا منه في أغلب الأحيان. و تسريب الرمل عبارة أردّها بامانة للكاتب و السينمائي خميّس الخياطي ، عفوا الدكتور خميّس الخيّاطي فالرجل أيضا حاصل على الدكتوراه و لكنّه لا يدبّج اسمه بدون مناسبة بهذا اللقب كغيره.

كان طارق وفيّا لنفسه أيضا بتضخّم الأنا الذي كان هذه المرّة مفضوحا جذّا في محاولته و ليسمح لي أن أقول الساذجة لتدعيم موقفه و لكنّه في الواقع أكّد ما ذهب إليه أزواو بإشارته من غير داع، و أكرّر من غير داع لأطروجة الدكتوراه التي يعدّها، معتقدا أن ذلك سيرفع من قيمته و بالتالي من قيمة ما يقدّمه. و في موضوع العلمانيّة تحديدا.

ثمّة أمور ثلاثة تصيب هؤلاء في مقتل : العلمانيّة، المرأة و الغرب.

و ثمّة ثلاث قيم مقدّسة عندهم : القوّة، النظام ، الجذور و الأصول.

من حقّ أي كان أن يكون له رأي في شكل و تنظيم و قيم المجتمع التي يطمح أن يعيش فيه و العمل على تغييره في ذلك الإتجاه. الفرق هو ما هي تلك القيم و ما هي وسائل تحقيقها. و الأهم، هي شرعيّة تلك القيم.

يمينا الشرعيّة إلاهيّة أو لا تكون. و القيم اليمينية أساسا قيم دينيّة و تستمد شرعيّتها من الأوامر الإلاهيّة، كتابا مقدّسا كانت أم قرآنا أو حتّى رأي أي صبي من صبية الدعوة الجدد.

يسارا (و أصرّ هنا على رايي أن قيم اليسار الحقيقي قيم ليبيرالية أو لا تكون) لا تكتسب القيم شرعيّتها من الله أو من أوامره بل من غايتها و دورها.

سأبيّن ذلك بمثال بسيط جدا و كنت ذكرته قبل الآن.

قيمة الجنس.

يمينا يستمد الجنس شرعيّته من حيث أنه وسيلة استخلاف الله في الأرض أي التكاثر. و لذلك كان لا بدّ من تقنين الانجاب و تقديس مؤسسة الزواج و تحديد الأنساب. تحديد الأنساب هذه تحديدا قيمة بدويّة صرفة (اليهودية و هي أصل كل الدينات التوحيدية ديناة بدوية هي في نسختها الحاخامية التلمودية أو نسختها الإسلامية أكثرها تصحّرا و رمالا) و هدفها حماية الإرث حتى لا يذهب لغير العائلة أي النواة الصغرى للقبيلة في بيئة قاسية قليلة الموارد.

يسارا يستمد الجنس شرعيّته من المتعة التي يسبّبها و الراحة النفسية و الوجوديّة التي هو ضروري لأجلها. فقط لا غير. المطالبة بالحريّة الجنسيّة كجزء من الحريّات الشخصيّة بل و العامّة يندرج تحديدا في هذا الإطار و ليس لأن من يطالب به يريد ان تشيع الفاحشة بين المؤمنين.

الجذور أيضا مهمّة ، هي ما يربطنا بالخلق و بالله، و بالعودة إليها نعود لآدم الذي كان يمرح في الجنة عاريا، مع حواء، لا يعمل و لا يشقى و لا يتعب و يرى الله وجها لوجه كل يوم أو يكاد. و شرعيّة الأصول هي تحديدا شرعيّة مصدرها الأول، سواء كان زمن الحياة في جنّة عدن، مع الله مباشرة، أو زمن الدعوة المحمديّة و ما بعدها باعتبار ارتباطها بالوحي أي بالسماء و تقديس محمد و صحبه و أهله بل و حتى من جاء بعدهم من تابعين و تابعي التابعين حسب المذاهب الإسلاميّة.

لذلك يكذب الدعاة الجدد كثيرا في محاولتهم تزويق تلك الفترة و نسج الأساطير حولها و حول الحضارة المزعومة التي انتجتها و الرحمة و العدل و السعادة في الدنيا و الآخرة التي ميّزتها محاولين تمرير أننا قد نحقق كلّ ذلك بمجرّد العودة إليها. منتجين جيلا كاملا مغيّبا حالما بالجنّة الآن و غدا دون أي جهد يذكر سوى العبادة و الحرمان من لذّات الحياة. لا فكر، لا عمل ، لا بحث، و لا أي شيئ، عمرو خالد مثلا أقنع كثيرين بأن أهم شيئ في بناء شخصية الإنسان هو الصلاة و الحجاب و أننا سنحرر فلسطين لو تحجبت كل البنات .. حين يكون ثمّة خلل في الأصول تكون النتائج أيضا كارثيّة

حتّى لا أنسى فتقديس الأصل في حالة طارق أخذ إلى جانب كلّ ما ذكرت سابقا إشارات متعدّدة و في أكثر من مناسبة لوالده في المجال النقابي.

يسارا لا يحدد من أنت من أين جئت. لا يهم ابن من أنت. في حين يمينا و مسبّقا تحدد قيمتك بمن أين جئت و ابن من أنت. يسارا الليبيرالي الاسرائيلي الحقيقي أقرب لي من الإخوانجي العربي المسلم أو هكذا يجب أن يكون. الأول على الأقل يحترم الإنسنان دون اهتمام باصله او دينه في حين الآخر لا يريد سوى أن يشق على قلبي ليتأكد من إيماني و لا يسعده شيئ قدر أن يريد الأرض من شروري أنا و من مثلي من كفّار قريش الجدد. لا عفوا ، الصعاليك الجدد و تلك قصّة أخرى
.
يمينا تمثّل المرأة مصدر الخطيئة الأولى. تمثّل إنسانا ناقصا و مصدر كلّ الشرور. لا يختلف الأمر كثيرا بين الإسلام و المسيحية و اليهودية الأم. حكاية حواء و تفسير العادة الشهرية و آلام المخاض و مكانة المرأة في المعابد بأشكالها المختلفة هي هي. المعبد أو الكنيسة أو المسجد هي مكان الإتصال بين الأرض و السماء. مكانة المرأة فيه قديما تحدّد مكانتها في المجتمع.

لذلك لم يكن صدفة و لم أستغرب كميّة الهجوم التي قام به بعضهم على مجرّد الوجود النسائي في فضاء التدوين مثلا. هنا لا أنا أخرج عن موضع العلمانيّة ، و إن كنت لم أقرأ لطارق يوما حرفا ضد المرأة أو حريّة المرأة، بالعكس هو قد نوّه بتعيين مأذونة في مصر و هذا يحسب له إلا أن كثيرين غيره قد قاموا بالمهمّة على أحسن وجه.

الآخر، و تحديدا المسيحي أو اليهودي هي ما يتميّز هؤلاء، أي الإخوانجيّة الجدد في كرهه و تسريب الحقد عليه و تحميله كلّ الشرور و المصائب التي حلّت بالأمة ، لا يختلفون في ذلك عن عتاة الإخوانجيّة القدم سوى باللغة المستعملة. و قد كتب طارق مقالا طويلا عريضا معقّدا بطلامس أكاديمية ليقول في النهاية أن العلمانية منتج مسيحي.

هذه هي كبرى القيم الثلاث التي يقف هؤلاء مدافعين عنها و بأشكال مختلفة.

و إن كان طارق هذه المرّة في ردّه على أزواو مازال لم يعد ذكر فلسطين و العراق و هو ما فعله فعلا في مقاله الأصلي و كأنه ثمّة فعلا علاقة ما بين العلمانيّة في تونس و تحرير فلسطين أو ما يجري في العراق و لكنّه كرّر أن اللحظة التاريخيّة غيرمناسبة و أنّ الشعب لا يريد و لا يستحق هذه العلمانية التي هي أساس لا تصلح له. و أضاف في هذه المرّة تركيزا غريبا على أن المطلب العلماني مطلب نخبوي عموما لاديني خصوصا.

أوّلا ثمّة مسلمون من داخل المؤسسة الدينية الرسميّة نفسها العزيزة جدا على قلب طارق علمانيون حد النخاع، و أقصد القرآنيون ، دون أن أزعم لهم شعبية حقيقية و دون أن أنسى أن أشير أنهم فصلوا رسميا من الأزهر. لكنهم يبقون مسلمين و لهم قراءة مميّزة للقرآن يجمعهم مع كثيرين من المفكرين (بدن ألقاب دكتوراه لكن القيمة في الفكر قبل كل شيئ) مثل جمال البنا و غيره عملهم و اصرارهم على الأن الإسلام أصلا علماني.

ثانيا ثمة من المسلمين التقليديين و إن كانوا أقليّة من هو أيضا علماني.

ثالثا لا يمكن جمع الكل في سلّة واحدة عقائديّة فالملحد غير اللاديني غير اللاأدري. و عموما بالنسبة للإخوانجيّة الجدد الكل كفّار، و لكنك لن تسمع تكفيرا صريحا منهم ، لا ننسى ان الدور هو قناع الليبيرالية و حرية التعبير من أجل تسريب الرمل على الأقل بتصنيف الآخرين، فهذه ملهط و هذا شاذ و هذا يقبض من اليهود و هلم جرا

و ثقافة التكفير تسربت فعلا و بشكل مرعب ، فمثلا في مجموعة اليوم العالمي لنزع الحجاب، كان كل من يقول أن الحجاب ليس عبادة بل عادة ، ليس فريضة، هو كافر، هكذا و بكل بساطة و لا أعتقد أن التكفير كان مستسهلا و متاحا للجميع في ترة سابقة مثل ما هو الآن.

لا يتبع ... لأنّ الأمر لا يستحقّ

2 تعليقات:

في 11:10 م , Anonymous غير معرف يقول...

باهي ياسر

الحكاية معقدة و لغة سي طارق الأكاديمية و المتحذلقة جدا جعت من الصعب تتبع أفكار المقال و إلى أين يريد أن يصل صاحبه


أرى يا عماد أن تنقص من جرعة نقدك للدين الاسلامي و تكرار بعض الجمل التي تنفر الكثير من القراء, و التي تكررها باستمرار, مثل الاسلام ديانة يهودية تلمودية بدوية الخ. ذلك لا يعتني أني أختلف مع هذه المقولة لكن الهدف هو إيصال الرالة, و بعض الأساليب تنفر القراء. و خاصة مسألة اليهود تثير حساسيات لدلى شعبنا الغارق في معاداة السامية و التي رضعها في طفولته


مجرد ملاحظة و أنا معجب جدا بك و بمدونتك

 
في 7:35 ص , Blogger الكاتب يقول...

أتابع بإهتمام كبير، وحسب ما يسمح به الوقت، النقاش الدائر حاليا حول العلمانية على الفضاء التدويني التونسي وأرى أنّه جدّ هام نظرا للقيمة المعرفية والفكرية للمشاركين فيه. لكن يؤسفني كثيرا ما ألاحظه من انزلاق الى شخصنة وتذويت النقاشات ومهاجمة صاحب الفكرة عوضا عن فكرته.

أدعوك يا عماد وأدعو الجميع الى الإرتقاء بمستوى الحوار .والإبتعاد عن التذويت والشخصنة

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية