هل يوجد أخطر على وطن ما من تقويض فكرة الوطن نفسها ، استبدال العلم بالخرافة، الحريّة بالخنوع، الحب بالكره، الحياة بالموت، و تغليف كلّ ذلك بورق سوليفان من البلاغة الخالية من كلّ معنى ؟
لمذا يجب إعتبار قيام حزب سياسي تونسي على أساس ديني أو مرجعيّة دينيّة مهما كان إعتدال القائمين عليه المزعوم أو ولائهم للسلطة خطأ إستدراتيجيّا بكلّ المقاييس و ذو عواقب وخيمة ؟
و كيف يمكن قراءة التهليل المصاحب له و الأمر لازال لم يتعدّى مرحلة الإشاعات بل و التهليل لكلّ مظاهر التديّن في المجتمع أو في آداء السلطة ؟
ما هو القاسم المشترك الأصغر لشكل الدولة أو المجتمع الذي يمكن أن نتّفق عليه و يكون أساسا للتحليل ؟
الحريّة، العدالة، الديمقراطيّة.
هذا ما ينادي به أو يتشدّق به الجميع الإسلاميّون قبل العلمانيّون. لكن ثمّة شرط ضروري و ليس كافيا لتحقيق ذلك : العلمانيّة. لمذا لا يمكن تحقيق الحريّة أو العدالة أو الديمقراطيّة بدون فصل كامل للدين عن السياسة ؟
الإسلام هو الجسد المضاد للحريّة و الديمقراطيّة و العكس صحيح أيضا. الإسلام هو الجسد المضاد لحقوق الإنسان و العكس صحيح أيضا. و لا يمكن بأيّة حال من الأحوال التوفيق بينهما إلاّ بالتنازل عن قيم و ثوابت من هنا أو من هناك أو من الجانبين، و النتيجة في النهاية لن ترضي هذا أو ذاك.
لا توجد حريّة في الإسلام و الأمر لم يذكر في أي نص بل تذكر العبوديّة لله و طاعة أولي الأمر منكم، أي طاعة الوالي، الرئيس، المشايخ (من شاخ يشيخ فهو عامل جو عليكم و على بهامتكم) و لم تكن الحريّة من مقاصد الشريعة رغم ما ذهب إليه بن عاشور في اجتهاد توفيقي كان الأول و سيكون الأخير. الحريّة لا يمكن أن تكون قيمة إسلاميّة أو من مبادئ حزب أو جماعة إسلاميّة.
و بعيدا عن السفسطة و بيان أنّ التكليف يعني الحريّة و أنّ العبوديّة لله تعني التحرّر من الشهوات و النفس الأمّارة بالسّوء و ما إلى ذلك من مراوغات الكلام و البلاغة العربيّة، فإنّ واقع الأمر أنّه ليس لمسلم من أمره شيئا إن قال الله و رسوله كذا، و بما أن الله غائب و الرسول مات فورثة الرسول هم ّالناطقون باسمه و اسم الله و ما سيقولونه ليس لأحد أن يفكّر حتّى في سؤال حول صحّته أو دقّته. و إلاّ حقّ دقّ عنقه. ضعوا هنا سطرا تحت دقّ عنقه.
و هذا يسمّى استبدادا و دكتاتورية من أبشع ما يمكن أن نرى، و هو ما تعيشه مثلا لا حصرا إيران حيث اعلى معدلات الإعدام في العالم و حيث يضرب الناس ليلبسوا تماما كما يريد الحاكم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي اوحي إلى محمد و هو مكلف بتطبيقه على رقبة الجميع. و المهللون لإيران مع ذلك على قفى من يشيل.
لا نريد ذلك لبلادنا ، لا نريد أن يعود بورقيبة لقبره.
لا توجد عدالة في الإسلام. لا وجود لمفهوم المواطنة. لا يوجد مفهوم وطن أصلا في الإسلام. ثمّة أمّة، و عقيدة، و أخوّة في العقيدة هي أقوى من علاقتك بأمّك و أبيك. أبوك نفسه لو كان كافرا و قتلته فأنك ستكافؤ بالجنّة و لو ترحمت عليه فإنك ستعاقب. أي و الله و هذا معلوم من الدين بالضرورة، فمحمد لم يترحّم على عمّه أبو طالب الذي ربّاه لأنه مات مشركا رغم أنه كفله و حماه في دعوته. و كم من الصّحابة صار قدّيسا عند المسلمين لأنه قتل أباه أو أخاه فداءا لمحمّد. الإسلام هو عقيدة تجعل من الأم ترقص لأن ابنها انتحر و قتل معه العشرات، حتّى الحيوانات المتوحّشة لا تفعل ذلك و غريزة الأم تبقى اسمى و أقوى، إلاّ عندنا نحن، و لا نرى أي خلل في ذلك. لأن من مات ليس مسلما. الخلل هنا و يجب الإعتراف به : في الإسلام ثمّة المسلمون و ثمّة الآخرون، تماما كما في اليهوديّة، و هل الإسلام شيئ آخر غير فرقة يهودية تلمودية حاخاميّة.
لا وجود لمواطن في الإسلام أو حزب أو جماعة ذو مرجعيّة دينية و لو تكلّموا عن مواطن يكونون بصدد الكذب عليكم (كما شاخوا عليكم) و المسلم الياباني عندهم اقرب من اليهودي الجربي التونسي، و أقرب من المسلم التونسي الذي لا يصلّي و الذي بالمناسبة يجب قتله فورا و إقامة الحد عليه. و أرجوا أن يكون المهللين لهذا الحزب من المصلّين. و بالتالي في ظل هذه العنصرية المقيتة لا يمكن أن نتكلّم عن عدالة. العدالة تعني مساواة الجميع أمام قانون عادل. لا وجود لمساواة بين الجميع لأأن ذلك مخالف للإسلام و لعقيدة الولاء و البراء. و القانون أصلا أي الشريعة ليست عادلة. حتّى بين المسلمين أنفسهم.
اعدل و أعظم الخلفاء، عمر، حين تمّ الأمر له و فتحت البلاد و جاءت الغنائم من الأموال و الذراري و السبايا، و في أول اجتماع قمّة بعد موت محمد حضره أكبر 17 صحابيا في ذلك الوقت ، لم يتدارس كيف يثبت الإسلام في البلاد المفتوجة أو كيف يقيم العدل أو يقسم الثروة بين الجميع، بل قسّمها بين العرب ، فقط العرب و طز من هم من غير العرب ممن أسلم. و جاء بنسّابة قريش و كتب لكل حسب نسبه و سبقه للإسلام و شهوده بدر، أي لا مثل أسنان المشط و لا هم يحزنون، و استمر الأمر كذلك إلى يوم الناس هذا.
ارجوكم استيقضوا إنهم يكذبون عليكم.
و أمّا الديمقراطيّة فحدّث و لا حرج. لو اعتمدنا تفسيرها العبيط من أنها حكم الشعب فذلك مخالف للإسلام لأن الحكم لله. إنّه مبدأ أو إنها عقيدة الحاكميّة. و لو اعتمدنا أن الديمقراطيّة هي طريقة تنظيم الحياة السياسيّة في مجتمع حر لتحقيق الحريّة فكما قلت أعلاه عن أية حريّة نتحدّث أصلا. نحن نكذب على أنفسنا حين نتكلّم عن ديمقراطيّة في الإسلام.
الحزب الإسلامي مهما بلغت درجة إعتدال القائمين عليه حزب ثيوقراطي بمشروع استبداد و تخلّف و دمار قادم. لمذا ؟
لأنه لا يوجد إسلام معتدل. يوجد مسلمون معتدلون باتوا اليوم أقليّة و هم في تناقص و لكن لا يوجد إسلام معتدل. لأن نصوصه المؤسسة نفسها و مثلها مثل النصوص المؤسسة لبقية الديانات اليهودية نصوص تحمل التطّرف بين سطورها. لا أستثني هنا حتّى الأناجيل الرسميّة الأربعة. بولص هو الوحيد الذي ابتعد بالمسيحية اليهودية عن رمال الصحراء و ضخ فيها من دماء الثقافة الهيلينية الكوزموبوليتانية. و لذلك كان المسيحيون الغربيون هم أول من صحى و نهض من كابوس الدين. غير أن للنهضة عندنا معنى آخر، أقرب للرقدة ، نحن لا ننهض بل ننام و نحلم بالماضي.
مذا يعني ازدياد مظاهر التديّن في المجتمع ؟ و لمذا يعتبر ذلك علامة سلبية و ناقوص خطر ؟
لأن الإلتجاء للغيب و للخرافة هو إعلان عجز، إحباط و خمول، و شكل احتجاج سلبي. وحدها الشعوب التي تعمل و تكافح و تحفر الصخر هي التي لا خوف عليها و لا هم يحزنون. لكن الشعوب التي لا تهتم إلا بالصلاة و بسؤال المشايخ إياهم و استفتائهم عن كيفية دخول الحمام أو شكل الشكارة التي يجب وضعها فوق الرأس أو استعمال البطاقات الذكيّة، عن إرضاع الكبير و الخلوة الشرعيّة و بول الرسول ، هذه شعوب عبيطة عاجزة مشلولة. و الدليل أنه لا دور و لا ذكر لها على خارطة انتاج العالم علميا و حضاريا، فقط توجد حيث يوجد فقر و ارهاب و استبداد، و عنطزة كذّابة على أساس أنها خير أمة أخرجت للناس.
باهي براس أمكم بأمارة آش ؟
إن الأخطر من كلّ ذلك هو تهليل من يعتبر من النخبة المثقفة التي لها دور تريد القيام به. لمصلحة من يتم كلّ ذلك ؟ و ما هي النتائج ؟
مذا سيكون برنامج عمل أي حزب اسلامي ؟ كما فعل اخوان مصر مثلا ، السكوت عن التوريث لأن ذلك هو صميم الإسلام قام قال شيخ الأزهر منذ يومين على ام بي سي مع محمود سعد و الاهتمام بالأفلام و الأغاني و مقاومة الفن الهابط كما يقولون. ذبح كلّ من ينتقد الحجاب كما فعلوا مع فاروق حسني ، الدعوة لمجتمع الرعب و الحدود و الرجم و الحرابة و تقطيع اطراف من لا يروق لهم من خلاف لأنه ممن يفسد في الأرض. مع أنهم هم المفسدون في الأرض.
مذا سيكون برنامحهم ؟ مستمدا من صحيح البخاري مثلا ؟
ألا يكفي القهر و الكبت و الخرافة و سياسة سحب البساط الإجراميّة حتّى يدق النظام آخر مسمار في نعشه و يتجه يمينا ركوبا لموجة ستبتلعه و تبتلع كل ما تحقق منذ اللإستقلال على علاّته. ألم نرى مذا حدث في مصر التي غضّت الطرف عن التطرّفة يوما لتحارب اليسار فابتلعها ؟ أم سنرقص حين يقوم صبية بحمل العصي و ضرب الناس ليحثوا الخطى للمساجد و جلد من بانت خصلة من شعرها إن بقيت نساء في الشارع أصلا. هل ستفرحون ساعتها أيها المطبّلون الأذكياء جدا ؟
إن قلتم أن ذلك لن يحدث فاسمحوا لي أن أشك في قدراتكم العقليّة فعلا. أو على الأقل في علمكم بالإسلام و بالحركات الإسلامية.
إستيقضوا إنهم يكذبون عليكم.
حزب اسلامي ؟ ماهي إضافته و مذا سيكون برنامجه ؟ و كيف سيحل الإسلام مشكلة البطالة أو التضخم أو القدرة التنافسية أو جلب الإستثمارات ؟ آش جاب مكة لبوحجر يا بو رب ؟ آش مدخل الإسلام في السياسة يا نخبة النخب
مذا سيكون برنامجهم بالنسبة للبحث العلمي، لأن هذا هو مجال اهتمامي و احترافي حتى لا أتطفل على مجالات غيري؟
لنغلق كليّات الطب مثلا و نكتفي بالطب النبوي و زراعة الحبة السوداء لأن فيها دواءا لكل شيئ. أي و الله دواء لكل شيئ و الحديث صحيح و في البخاري. ثم إن المرض عقاب إلاهي، كما الكوارث الطبيعية فلو اتبع المجتمع الإسلام الحقيقي فسيشفيه الله و سينصر أمته كما وعدها بل و سنرمي اسرائيل في البحر و يجيئ يوم يقول فيه الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله إلا شجر نسيت اسمه لأنّه من شجر اليهود.
هل يوجد غباء و عبط أكثر من ذلك ؟
هل يوجد أخطر على وطن ما من تقويض فكرة الوطن نفسها ، استبدال العلم بالخرافة، الحريّة بالخنوع، الحب بالكره، الحياة بالموت، و تغليف كلّ ذلك بورق سوليفان من البلاغة الخالية من كلّ معنى ؟
إنّ مستقبل أيّ وطن بذرة في عقول أبناءه، و حين يتدروش هؤلاء الأبناء فإنّ هذه البذرة لن يمكنها النمو، و ليس أسهل من اندثار الأوطان و الشعوب
لا أستغرب تطبيل و تهليل كثيرين لهكذا خبر، فنحن بسطاء جدا في تفكيرنا، أفقنا محدود بمعضلة الهويّة و نعيش في أوهام الماضي الكاذب الذي أصلا لم يوجد. نحلم بالفتوحات و نقدّس ابن جلا و طلاّع الثنايا و لا رحم الله الرؤوس التي أينعت و قطفها صاحبنا. للآن نقدّس صدّام كما قدّسنا الحجّاج كما كما سنقدّس كلّ من سيركب و يدلدل ساقيه و يقطع الرؤوس في سبيد مجد زائف وهمي، و أبشع أشكال ذلك هو الإسلام السياسي.
و للحديث صلة